تاريخ الفتوى: 26 صفر 1431 هـ الموافق 10/2/2010.
عنوان الفتوى: صلاة المرأة في اللباس الضيق وظهور القدمين أثناء الصلاة.
السؤال: مجموعة أسئلة تدور حول:
- "هل مسموح أن تصلي المرأة في طقم باكستاني في البيت"؟
- "عندما تصلي المرأة في جلباب ساتر الرجلين من دون جوارب عند السجود تبين أسفل الرجل هل الصلاة جائزة"؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال ابن رشد في (بداية المجتهد): "اتفق العلماء على أن ستر العورة فرضٌ بإطلاق. واختلفوا هل هو شرط من شروط صحة الصلاة أم لا؟ وكذلك اختلفوا في حد العورة من الرجل والمرأة".
قال ابن حجر في فتح الباري: "وقد ذهب الجمهور إلى أنَّ ستر العورة من شروط الصلاة"، [فلا تصح الصلاة مع كشفها].
"ومقتضى قولهم: "ستر العورة" أنَّ الواجب هو ستر العورة، وأنَّه مهما حصل الستر صحت الصلاة، ولو كان الثوب ضيقاً يحدد العورة".
فالواجب على المرأة أن تستر عورتها في الصلاة بأي ساتر، وشرطه حتى يكون ساترا أن لا يشف فيظهر من خلاله لون ما تحته، ولو ظهر لم يكن ساترا. وهذه أقوال لبعض العلماء في المسألة:
1- المذهب الشافعي:
قال الإمام النووي في (المجموع): "قال أصحابنا يجب الستر بما يحول بين الناظر ولون البشرة، فلا يكفي ثوب رقيق يُشاهد من ورائه سواد البشرة أو بياضها، ولا يكفي أيضاً الغليظ المهلهل النسج الذي يُظهر بعض العورة من خلله. فلو ستر اللون ووصف حجم البشرة كالركبة والإلية ونحوهما، صحت الصلاة فيه لوجود الستر، وحكي الدارمي وصاحب البيان وجهاً أنه لا يصح إذا وصف الحجم، وهو غلط ظاهر". اهـ
2- المذهب الحنفي:
قال في(الدر المختار): "ولا يضر التصاقه وتشكله". اهـ. يعني: الثوب الذي يلبس في الصلاة.
وقال ابن عابدين في حاشيته على (الدر المختار): "قوله: (ولا يضر التصاقه) أي: بالألية مثلا، وعبارة (شرح المنية): أما لو كان غليظا لا يرى منه لون البشرة إلا أنه التصق بالعضو وتشكل بشكله فصار شكل العضو مرئيا، فينبغي أن لا يمنع جواز الصلاة، لحصول الستر". اهـ
3- المذهب المالكي:
قال في (حاشية الدسوقي): أن الصلاة في الثوب الواصف للعورة المحدد لها صحيحة، ولكنها مكروهة كراهة تنزيهية، ويستحب له أن يعيد إذا كان الوقت باقياً.
فذكر كراهة الصلاة في الثوب الذي يحدد العورة، لا التحريم.
4- المذهب الحنبلي:
قال البهوتي في (الروض المربع): "ولا يعتبر أن لا يصف حجم العضو، لأنه لا يمكن التحرز عنه".
وقال ابن قاسم في حاشيته على (الروض المربع) تعليقاً على قول البهوتي: "وِفَاقاً" يعني: للأئمة الثلاثة: وهم أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله ، أي أن مذهب الإمام أحمد في هذا موافق لمذاهب الأئمة الثلاثة.
وقال ابن قدامة في (المغني): "فإن كان خفيفاً يُبَيِّن لون الجلد من ورائه - فيُعلم بياضه أو حمرته - لم تجز الصلاة فيه، لأن الستر لا يحصل بذلك. وإن كان يستر لونها ويصِف الخلقة، جازت الصلاة، لأن هذا لا يمكن التحرّز منه، وإن كان الساتر صفيقاً". اهـ
وقال الشيخ سيد سابق في (فقه السنة): في بيان شروط الصلاة: ستر العورة:.." الواجب من الثياب ما يستر العورة وإن كان الساتر ضيقا يحدد العورة". اهـ
فهذه أقوال بعض أهل العلم في الصلاة في الثوب الضيق الذي يحدد العورة، وهي صريحة في صحة الصلاة فيه.
أما ظهور القدمين في الصلاة، فالذي عليه جمهور أهل العلم أن على المرأة ستر قدميها أثناء الصلاة، وأجاز إظهارهما أبو حنيفة وسفيان الثوري، وقالا بأنهما ليسا بعورة، ورجح هذا القول الإمام ابن تيمية:
قال في الفتاوى: "القدم يجوز إبداؤه عند أبي حنيفة، وهو الأقوى. فإن عائشة جعلته من الزينة الظاهرة، قالت: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31] قالت: "الْفَتْخُ" حَلَقٌ من فِضةٍ تكون في أصابع الرجْلين. رواه ابن أبي حاتم. فهذا دليلٌ على أن النساء كُنّ يُظهرن أقدامهن أولا، كما يُظهِرن الوجه واليدين، كنّ يُرخين ذُيولَهُن. فهي إذا مشت، قد يظهر قدمها، ولم يكنّ يمشين في خِفافٍ وأحذية، وتغطية هذا في الصلاة فيه حرجٌ عظيم. وأم سلمة قالت: ((تصلي المرأة في ثوبٍ سابِغٍ يغطي ظهر قدميها)). (رواه أبو داود والحاكم وصححه) فهي إذا سجدت، قد يبدو باطن القدم". [ولا يلزم من تغطية ظهر القدمين أن تلبس المرأة الجوارب، فإذا كان الثوب أو الدرع سابغاً بحيث يغطي قدميها فقد أتت بالمأمور، وإن كان الثوب غير سابغ بحيث لا يغطي قدميها لبست الجوارب لتغطيتهما].
"وبالجملة قد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها في الصلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها وإنما ذلك إذا خرجت، وحينئذ فتصلي في بيتها وإنْ رُؤي وجهها ويداها وقدماها كما كُنَّ يمشين أولا قبل الأمر بإدناء الجلابيب عليهن، فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طردا ولا عكسا". اهـ مجموع الفتاوى.
نخلص مما ذكر إلى ما يلي:
1- يجوز للمرأة أن تصلي وهي تلبس الملابس الضيقة: الباكستاني أو ما يشبهه أو غيره، إذا كانت ساترة للعورة ولا تشف.
2- يجوز للمرأة أن تصلي وهي تلبس الجلباب إذا كان يغطي ظهر قدميها، حتى لو ظهر باطن القدم – أي أسفل القدم - أثناء الصلاة، وتكون صلاتها صحيحة.
3- لا يجب على المرأة أن تلبس الجلباب أثناء صلاتها في بيتها.
4- لا يجب على المرأة لبس الجوارب، إذا صلت وهي تلبس جلبابا سابغا يغطي ظهر قدميها - كما ورد في حديث أم سلمة رضي الله عنها -. وإن كان الأوْلى أن تلبس الجوارب خروجا من الخلاف.
والله أعلم.
أجاب: الشيخ الأستاذ احمد بدران.