إلى جدي الذي جهز حقيبته قبل أن أولد ليعود..ومازال ينتظر العودة..
وإلى أبي الذي أثمر حصاده بعودة ابنته..محققاً حلم والده..
ليس ثمة مسكيناً أشد فقراً ممن ضاقت به الأرض بوسعها فانزوى كنبتة ظل فرض عليها ركن المنزل أن تكون حبيسة الزوايا.. ليس مسموح لأغصانها أن تمتد طولاً باتجاه النور ولا أن تنحني تعباً وهرباً إلى العتمة..!
سامح الله من اقتلعها من فسحتها و حصرها وقيدها بين جذري أعمدة لا تشبه موطنها..
يا لوسامتك يا جدي إذ يرتسم على جبينك خط زمن يختصر أعواماً طوالاً من التهجير والبلاء..متعرجاً..يتأرجح الطريق تحت أقدامه..يقربه تارة ويبعده أخرى بأوجاع الرحيل..
تسخر الشمس منك من ثوب الأمل الممزق الذي ترتديه
من بسمة المنى المرتسمة على شفاهك
حتى إذا ما أوت الشمس لمخدعها شكوتها للبدر ..
من الذي قال لك يا جدي أن تجهز حقيبتك..وأن تبقيها مستعدة لتحسم الأمر.؟!
وأنه يجب عليك أن تعتلي أول قطار يحملك إلى ديارك..؟!
حقيبتك مثقلة بذكريات الوطن ..تتحدث رغم صمتها الدفين عن حكايتك عن ارتدائك لعباءة الوطن البعيد..
تمضي وعلى كتفك كيس مُهترئ .. ترقد فيه أوراق صفراء .. ويراع بلا مداد .. وتفاحة مقضومة..!
تدمي قدمك حصيات صغيرة حادة .. فتحملها بكفك المتقرحة وتقذفها بعيداً عن يقينك.. تحاول حمل الهموم باحثاً عن خصلة سوداء تذكرك بالأرض..
تراها بأولادك بأحفادك..مرايا تشبهك
إنها العودة..يا أبي
وحقائب مستعدة ومفاتيح شابت من الانتظار..
جهزها جدي لتحملها أنت..وحملتها عنك..
حيث تتفتح الزنابق في كفٍ توضأت بالإيمان فاستيقنت أنها ستعود..فعادت فلذة كبدها..وتنتظرك أنت..!
العودة..تسابيح ترددها لتكون وردك
وآمال تنتظرها لتوقف الأنين
لا يثقلك الكيس وإن تمزق..
ولا تتعبك الدمعة المالحة فتستجديها غرفة ماء تبلل بها حرقة أحشائك..
كيف تعود؟
سؤال مرهق..
ربما كل الأسئلة منبوذة في أرض الأحلام
لكننا نستيقظ دائماً يا أبي على أصوات تصعد أنفاسنا بفعل الأحلام المنهكة التي غرست في منامنا..
فنألم إن استيقظنا و نتمنى البقاء فيها رغم أنه لا خط رجع نستطيع من خلاله البحث عن إجابة فيها !
كيف نتمنى أن نعود إليها وكنا والفزع نتجاذب أطراف الغطاء لنهرب منها !
بعض الدروب تنبت ضوءً تعيدنا إليها..تحملنا هناك..
فقط استسقي قطرات الغيث..وسبحه عز وجل واسجد له ليلاً طويلا..فلا بد للأحلام من حقائق!
كما عادت الحفيدة..