استمع وحمل خطبة الجمعة بعنوان "قيام ليالي رمضان" بإلقاء الشيخ الإستاذ احمد بدران

"قيام ليالي رمضان"

================================================
استمع وحمل خطبة الجمعة بعنوان "قيام ليالي رمضان" بإلقاء الشيخ الإستاذ احمد بدران
التاريخ: الجمعة 13-8-2010 الموافق 3 رمضان 1431 هـ.
خطبة الجمعة في مسجد البيان، جت المثلث.
الموضوع: قيام ليالي رمضان
للشيخ الأستاذ احمد بدران.
لإستماع إلى تسجيل الخطبة
إضغط هنا
لتحميل
إضغط هنا
================================================
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُهُ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مُضلَّ له ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ سيدنا محمداً عبده ورسوله. أوصيكم ونفسي عباد الله بتقوى الله العظيم وطاعته، وأحذّركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره أو نهيه، لقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (الجاثية:15).
أما بعد، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلّ قد جعلَ شهرَ رمضان موسماً مناسباً للتَّغيير. وسننظرُ إليهِ في هذهِ الخطبةِ - إن شاء الله - من محورينِ لا ثالثَ لهما. محورُ ما كانَ عليهِ أصحابُ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم، ومحورُ ليلةِ القدر.
أمّا المحورُ الأول: فلا يخفى على أحد اشتهارَ الجملةِ - التي يحفظُها العلماءُ والعامة - من أنَّ الصَّحابيَّ... كانَ قرآناً يمشي على الأرضِ. والصَّحابيّ ما كانَ قرآناً يمشي على الأرضِ! بل كانَ إنساناً يمشي على الأرض. لكنَّهُ كانَ إنساناً يمشي على الأرضِ بالقرآنِ الكريم. أي يتحرّك ويسكُن حسبَ أوامرِ الله ونواهيه، هذا معنى كونهِ قرآناً يمشي على الأرضِ.
الصَّحابةُ الكرام، جمعوا بينَ أمرين خالفْنا الصَّحابةَ فيهما. الأول: الإيمانُ الصَّادقُ باللهِ عزَّ وجلّ. والثَّاني: اجتهادَهم في الطَّاعة واجتنابَهم للمعاصي. فجمعوا عملاً وحَذَراً من المعاصي وخوفاً من عذابِ اللهِ عزَّ وجلّ. أما نحنُ فجمعنا جهلاً وتقصيراً في الطّاعةِ، وإقامةً على المعاصي والكبائرِ مع سبقِ الإصرار، وأضفنا إلى هذا – أي لجهلنا - أمناً من عذابِ اللهِ عزَّ وجلّ. والسَّؤال الذي يطرح نفسهُ: كيفَ يأمنُ المسلمُ من عذابِ اللهِ عزَّ وجلّ وهو مقيمٌ على المعاصي؟! واللهُ عزَّ وجلّ يقول لسيدنا محمد صلّى اللهُ عليهِ وسلّم: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (الأنعام:15). قل يا محمّد [صلّى اللهُ عليهِ وسلّم] للنَّاس: "إِنِّي أَخَافُ..." مع كوني محمد بن عبد الله الذي غُفرَ لهُ ما تقدَّمَ من ذنبهِ وما تأخَّر... قل لهم: "... إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ". ونحنُ نقيمُ على المعاصي، ونجمعُ معَ المعاصي أمناً من عذابِ اللهِ عزَّ وجلّ، ونجمعُ إلى ذلكَ كلِّهِ تقصيراً في طاعةِ اللهِ عزَّ وجلّ.
منهج الصّحابة في قيامِ رمضان
إخوتنا الكرام، تختلفُ الرِّوايات كما تعرفون في عددِ ركعاتِ التَّراويح. والحقيقة أنَّ العبرة ليست بعددِ ركعات التَّراويح وإنَّما العبرةُ بطولِ قيام الإنسانِ في ليلةِ رمضان. فعن أبي ذرٍ قال: ((صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ [في أيامنا هذه، حتى يذهب ثلث الليل تكون الساّعة قد قاربت العاشرة والنِّصف. ثلثُ ما بينَ المغربِ والفجر. قامَ بهم ليلة لسبعٍ بقيت من رمضان.. وصلّى بهم التَّراويح وانتهت صلاة التَّراويح في السّاعة العاشرة والنَّصف تقريباً حسب توقيتنا اليوم] فَلَمَّا كَانَتْ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا فَلَمَّا كَانَتْ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ‏شَطْرُ ‏‏اللَّيْلِ [أي نصفُ الليل. ونصفُ الليل ينتهي اليوم السّاعة الثَّانيةَ عشرة ليلاً تقريبا] فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ‏ ‏نَفَّلْتَنَا ‏قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. [أي لو بقيت تصلي بنا يا رسول الله باقي الليل إلى الصبح؟] قَالَ فَقَالَ:‏ ‏إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ. [صلّ مع إمامك حتى ينتهي من الصّلاة كلّها حتى الوتر. إنْ فعلتْ يُكتب لك قيامُ ليلة] قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ فَلَمَّا كَانَتْ الثَّالِثَةُ جَمَعَ [أي رسولُ اللهِ] أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا ‏‏الْفَلَاحُ.‏ ‏قَالَ قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السُّحُورُ. ‏‏ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِقِيَّةَ الشَّهْرِ)). أي قام بهم ثلاث ليال: ليلةٌ منها إلى ثلث الليل، وليلة قامَ بهم حتى ذهب شطر الليل، وليلة ثالثة عاد الصّحابة لبيوتهم مسرعين كي يدركوا السّحور – حوالي السّاعة الرابعة فجرا-. هذا قيام الصّحابة الكرام.
وعندَ الإمام مالك رواية وفيها: ((‏‏‏..عن السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ ‏‏أَنَّهُ قَالَ ‏أَمَرَ ‏‏عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ ‏‏وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ ‏أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. قَالَ: وَقَدْ كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ ‏بِالْمِئِينَ ‏‏حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ خَشْيَةَ أَنْ يَفُوتَنَا ‏‏الْفَلَاحُ)). كانوا يصلّون إحدى عشرة ركعة من العشاء إلى الفجر. هذهِ كانت صلاة الصّحابة الكرام الذينَ كانوا يخافون الله عزَّ وجلّ.
وقد ذكرَ الإمام التّرمذي اختلافَ أهلِ العلمِ في قيام رمضان قال: "فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً مَعَ الْوِتْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ" ..الخ.
اجتهاد الصّحابة في طاعتهم لله عزّ وجلّ
ثم اسمعوا عبادَ الله: عبد الله بن عمرو بن العاص كان أحدُ علماءِ الصَّحابةِ...- يرجعُ الصَّحابةُ إليهِ في العلمِ والفتوى - اسمعوا هذهِ الرّواية الرَّائعة التي تُبيِّنُ اجتهادَ الصَّحابةِ في طاعةِ اللهِ عزَّ وجلّ. قال عبد الله بن عَمْرو: ((أَنْكَحَنِي أَبِي ‏امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ فَكَانَ يَتَعَاهَدُ ‏ ‏كَنَّتَهُ ‏ ‏فَيَسْأَلُهَا عَنْ ‏‏بَعْلِهَا‏ ‏فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا ‏‏كَنَفًا ‏مُنْذُ أَتَيْنَاهُ [تزوّجَ المرأة لكنّهُ ما مسَّها. هذهِ كنايات عن أنَّهُ لم يأتِها] فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.‏ ‏فَقَالَ: الْقَنِي بِهِ [ذهب الأب الكريم يشكوه للرسول صلى الله عليه وسلم فقال له: اجمعني به. وفي رواية أخرى: [فَأَقْبَلَ عَلَيَّ يَلُومنِي فَقَالَ: أَنْكَحْتُك اِمْرَأَة مِنْ قُرَيْش ذَات حَسَبٍ فَعَضَلْتهَا وَفَعَلْت، ثُمَّ اِنْطَلَقَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَانِي] فَلَقِيتُهُ بَعْدُ. فَقَالَ:‏ ‏كَيْفَ تَصُومُ؟ قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ. [أتسمعون؟!] قَالَ: وَكَيْفَ تَخْتِمُ؟ قَالَ: كُلَّ لَيْلَةٍ. [يصوم نهار كل يوم، وفي كل ليلة ختمة!] قَالَ: صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً ‏‏[أي ثلاثة أيام] وَاقْرَأ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ. قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْجُمُعَةِ [أي في الأسبوع]. قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا [ابن حجر العسقلاني يعلّق على هذا فيقول: لعله وقع تصحيف من الراوي. لماذا؟ لأن صم يومين وأفطر يوماً... هذا أقل من ثلاثة أيام. وهو يتدرّج معه! فيمكن أن يكون أصل الرواية صم يومين وأفطر يوماً]. قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ ‏دَاوُدَ: ‏‏صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ. وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً. فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.‏ ‏وَذَاكَ أَنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ السُّبْعَ مِنْ الْقُرْآنِ بِالنَّهَارِ وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنْ النَّهَارِ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَرَ أَيَّامًا وَأَحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ النَّبِيَّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏عَلَيْهِ)). رواه البخاري. أي ما كان يقدر أن يصوم يوم ويفطر يوم... فما العمل؟ يصوم أربعة أيام ثم يفطر أربعة أيام. يصوم ثمانية ويفطر ثمانية. هذا إخواننا واحد من الصّحابة الكرام الذينَ شهدَ الله تعالى لهم بأنّهُ رضيَ عنهم. هكذا كانَ يتعامل مع القرآن الكريم ويتعامل مع الصِّيام.
ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر
أمّا الليلة المباركة -والحديث عنها يتعلَّقُ بمنهجٍ أنصحُ نفسي والإخوة بأن نتبنَّاهُ في رمضان هذا-.
الله عزَّ وجلّ يقول عن ليلة القدر: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القدر:3). ليلة القدر ليلة من ليالي رمضان. هيَ من رمضان لكنّها غير مُعيَّنة في رمضان. فلسنا نعلم على سبيل القطع أي لياليه تكون، فما بالكم إن جعلنا ليلةَ القدرِ هي كل ليلة في رمضان! إجعل أول ليلة في رمضان ليلة القدر، والثانية ليلة القدر، والثالثة ليلة القدر، والرابعة ليلة القدر... وهكذا نجعل ليالي الشهر كلها ليلة القدر فنقومها جميعها. وبعدها - يوم العيد- تقفُ وتقول: أقسمُ بالله أنّني قمتُ ليلةَ القدر. ما ليلةُ القدرِ هذهِ؟
روى ابن أبي حاتم بسندهِ عن مجاهد: ((أنَّ النَّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم ذكرَ رجلاً من بني إسرائيل لبسَ السِّلاحَ في سبيلِ اللهِ ألفَ شهر [أي قاتلَ في سبيلِ اللهِ قتالاً متواصلاً ألف شهر.. ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر] قال: فعجب المسلمون من ذلك. قال: فأنزلَ اللهُ عزَّ وجلّ: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ})). أي التي لبسَ ذلكَ الرّجلُ السّلاح في سبيل الله ألف شهر. ليلة القدر هذهِ إذا قامها المسلمُ كانَ ثوابهُ كثوابَ من جاهدَ في سبيلِ اللهِ ألفَ شهر أي من قاتلَ في سبيلِ الله ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر. هذا ثوابٌ لقيام ليلة.
وبرواية ابن جرير بسندهِ عن مجاهد قَالَ: ((كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يَقُومُ اللَّيْلَ حَتَّى يُصْبِحَ، ثُمَّ يُجَاهِدُ الْعَدُوَّ بِالنَّهَارِ حَتَّى يُمْسِيَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ أَلْفَ شَهْرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} قِيَامُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ))
وفي رواية ثالثة: ((ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَرْبَعَةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَقَالَ: عَبَدُوا اللَّهَ ثَمَانِينَ عَامًا لَمْ يَعْصُوهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَذَكَرَ أَيُّوبَ، وَزَكَرِيَّا، وَحِزْقِيلَ بْنَ الْعَجُوزِ، وَيُوشَعَ بْنَ نُونٍ، فَعَجِبَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، عَجِبَتْ أُمَّتُك مِنْ عِبَادَةِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ ثَمَانِينَ سَنَةً لَمْ يَعْصُوا اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَرَأَ: {إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وَهَذَا أَفْضَلُ مِمَّا عَجِبْت أَنْتَ وَأُمَّتُك مِنْهُ. قَالَ: فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)).
إخوتنا الكرام، هذا شهر رمضان موسمُ النَّجاحِ والفلاح. من أرادَ أنْ يجتهدَ في طاعةِ اللهِ عزَّ وجلّ ينبغي لهُ أنْ يعملَ أمرين: صيام النَّهارِ معَ الحفاظِ على أخلاقِ الإسلامِ فإنْ شاتمهُ أحدٌ قالَ إنِّي صائم. يُكثرُ من الخيرِ في كلِّ ساعاتِ رمضان، ينفق في سبيل الله؛ -لأنَّ النَّبي الكريم كان أجود ما يكون في رمضان-، يصونُ صيامَهُ عن المعاصي. فإذا ما جاءَ الليل وطَّنَ نفسَهُ على أنَّ هذهِ الليلة هيَ ليلةُ القدر، وسأقومُ هذه الليلة فأصلّي التَّراويح ما استطعتُ من صلاةٍ طويلة، وأقرأ القرآن الكريم وأستغفر وأسبّح...أقوم من الليل ما أستطيعهُ. فإذا ما داومتُ على هذا المنهج رمضان كُلَّهُ، فإنَّ أقل ما يمكن أنْ أناله أنّني أخرجُ بثوابِ رجلٍ جاهدَ في سبيلِ اللهِ ألف شهر. وحين أفعل ذلك كل ليلة فإنَّني أضمن لنفسي هذا الأجر إضافة إلى ثواب الصيام وسائر الطاعات والأعمال الصالحة في بقية ليالي رمضان وأيامه. أسأل الله عزَّ وجلّ أن يُعينني وإياكم على طاعتهِ.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فيا فوز المستغفرين استغفروا الله.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ
إخوتنا الكرام، لنجعلَ من رمضان حقيقةً فرصةً للتَّغيير، والتَّغييرُ يقومُ على قاعدةِ إكراهِ النَّفسِ على طاعةِ اللهِ في النَّهارِ والليل. محاولةُ السَّيرِ على منهجِ الصَّحابة الكرام في طولِ قيامهم باللّيل. المحافظة على سنّةِ النَّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم في اجتهادهِ في شهرِ رمضان. أنظروا ماذا يقولُ ابن القيم في كتاب زاد المعاد - هذا الكتاب بالمناسبة من أجملِ وأروعِ ما كُتبَ عن سيرةِ النَّبي صلّى اللهُ عليهِ وسلّم وهديه -، عن هديهِ في الصَّيام... قالَ: "وَكَانَ هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَكْمَلَ الْهَدْيِ، وَأَعْظَمَ تَحْصِيلٍ لِلْمَقْصُودِ، وَأَسْهَلَهُ عَلَى النُّفُوسِ. وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْإِكْثَارُ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ، فَكَانَ جِبْرِيلُ يُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ، وَكَانَ إِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، يُكْثِرُ فِيهِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالِاعْتِكَافِ. وَكَانَ يَخُصُّ رَمَضَانَ مِنَ الْعِبَادَةِ بِمَا لَا يَخُصُّ غَيْرَهُ بِهِ مِنَ الشُّهُورِ...".
إذا إخواننا المنهج أصبحَ واضحاً... توبةٌ صادقةٌ إلى اللهِ عزَّ وجلّ من المعاصي، ثمَّ صيامٌ في النَّهارِ، وأعمالُ خيرٍ كثيرةٍ في النَّهار والليل، وقيام كل ليلة على أنَّها ليلة القدر، رجاءَ أن نُدركَ ليلة القدر إن شاء الله رب العالمين. المداومة على الطَّاعات والإكثار من فعل الخيرات في هذا الشَّهر كما فعلَ سيّدنا محمد صلّى اللهُ عليهِ وسلّم.
أسأل الله عزَّ وجلّ أن يوفّقنا لطاعته، وأن يُعيننا على قيامِ شهر رمضان وصيامهِ والإكثار فيه من فعل الخيرات.
إنّ الله وملائكته يُصلُّونَ على النَّبيِّ، يا أيُّها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلُّموا تسليما....
أدعية...
===============================================
المصدر :موقع مسجد البيان |منقول من : مسجد البيان (جت المثلث)